إدارة سوريا الجديدة.. سعي لشرعية خارجية وقلق دولي من الماضي والانتهاكات
أحمد سالم صوت العالم
•تواصل الإدارة الجديدة في سوريا، بقيادة أحمد الشرع المعروف بأبي محمد الجولاني، مساعيها لإقامة علاقات طبيعية مع الدول العربية والغربية لاكتساب اعتراف دولي وتثبيت أركان سلطتها بعد انهيار نظام بشار الأسد. لكن الأسابيع الأولى أبرزت جوانب مقلقة للمحيطين الإقليمي والدولي. فقد زارت العاصمة السورية دمشق العديد من الوفود العربية والدولية، في محاولة لاستكشاف رؤية الإدارة الجديدة للملفات ذات الأولوية، ومن أهمها التأكد من عدم تحول العملية السياسية الانتقالية في سوريا إلى تمهيد مخطط لحكم ذي طابع أيديولوجي متطرف مبني على قوة السلاح.
•صعود هيئة تحرير الشام في سوريا يثير قلقًا متزايدًا بشأن إمكانية قيام جماعات إسلامية بمحاولة إحداث فوضى مسلحة لتكرار التجربة في دول عربية مثل مصر التي تاريخ طويل في مواجهة الكيانات الإرهابية وجماعات الإسلام السياسي. وتُبدي مصر حذرًا بالغًا تجاه الإدارة الجديدة في سوريا، نظرًا للخلفيات العقائدية المتشددة لهذه الجماعات، بالإضافة إلى ظهور شخصيات مطلوبة أمنيًا في مصر، مثل عبد الرحمن القرضاوي (نجل الزعيم الروحي للإخوان المسلمين يوسف القرضاوي)، مؤخرًا في دمشق وأشار إلى أن "التجربة السورية" قد تكون مقدمة لموجة جديدة مما يُعرف بالربيع العربي. وكذلك، أثار لقاء الجولاني مع محمود فتحي، المدان في قضية اغتيال النائب العام المصري الأسبق هشام بركات، مخاوف بشأن العلاقات الوثيقة بين هيئة تحرير الشام وتنظيم الإخوان المسلمين.
•يشير ظهور هذه العناصر المطلوبة أمنيا في سوريا إلى أن النظام الجديد في سوريا يُظهر تعاطفًا مع الجماعات الإسلامية الساعية للوصول إلى السلطة في مصر، حتى مع تأكيده أن تجربته تنحصر داخل سوريا ولا يريد تصديرها. وجاء ذلك مصحوبًا ببيانات صادرة عن الإخوان المسلمين تدعو إلى الثورة في مصر بعد سقوط نظام بشار الأسد، يعزز مخاوف القاهرة من أن صعود هيئة تحرير الشام قد يشجع جماعات الإسلام السياسي على السعي مجددًا للوصول إلى السلطة في مصر عبر قوة السلاح.
•يوجد جهاديون مصريون في تنظيم "هيئة تحرير الشام" على مستوى القيادات وليس فقط على مستوى المقاتلين، وقد أجرت الإدارة الجديدة في سوريا تعيينات عسكرية في وزارة الدفاع، شملت مصريا هاربا ومدانا في قضية إرهابية في مصر.
•يجدر الإشارة إلى أن رحلة الجولاني الجهادية في العراق بدأت بعد الغزو الأمريكي عام 2003، حيث انضم إلى تنظيم القاعدة في العراق، الذي كان البذرة الأولى لتنظيم داعش. في معسكر بوكا، حيث سُجن عام 2005، عزز الجولاني علاقاته الجهادية وتعرّف على أبو بكر البغدادي، الذي أصبح قائد داعش لاحقًا. في 2011، كلفه البغدادي بتأسيس جبهة النصرة في سوريا، والتي سرعان ما تحولت إلى قوة بارزة في الحرب السورية. في 2016، أعاد الجولاني تسمية جبهة النصرة إلى جبهة فتح الشام، قبل أن تتحول إلى هيئة تحرير الشام عام 2017 بضم فصائل متشددة أخرى. هذه الخلفية تثير الشكوك حول قدرة الجولاني على قيادة سوريا نحو الاستقرار بعيدًا عن الأيديولوجيات المتطرفة.
•بينما تسعى الإدارة الجديدة في سوريا للتبرؤ من الماضي الجهادي المتطرف، تُبرز هجمات عناصرها المسلحة على رموز دينية مثل مقام أبي عبد الله الحسين الخصيبي، ذي المكانة الدينية لدى الأقلية العلوية، صعوبة التخلص من هذا الإرث. وقد أشعلت هذه الانتهاكات مظاهرات واسعة في مدن مثل طرطوس واللاذقية، حيث طالب المحتجون بالعدالة ووقف الاعتداءات، فيما واجهت هذه المظاهرات قمعًا شديدًا من الهيئة، مما زاد التوترات الطائفية. وشهدت مناطق مثل حماة وطرطوس إعدامات ميدانية بحق أفراد يُشتبه بتعاونهم مع النظام السابق، شملت التصفيات قضاة وضباطًا سابقين، مما يعكس سياسة تصفوية خارج إطار القانون.
•تزايدت مخاوف المسيحيين في سوريا بشأن أوضاعهم الأمنية والاجتماعية، خاصة في ظل استمرار التوترات الطائفية والاعتداءات على رموزهم الدينية، حيث يشهدون حوادث متفرقة من استهداف كنائسهم ومظاهرهم الدينية، مثل حرق شجرة عيد الميلاد في السقيلبية مؤخرًا.
•يبدو أن المخاوف امتدت إلى المرأة السورية التي سرعان ما وجدت نفسها في خضم مخطط حكومي جديد يهدف إلى تحديد دورها في تولي المسؤوليات نيابة عنها. حيث عبّرت السيدة عائشة الدبس، رئيس مكتب شؤون المرأة في الإدارة الجديدة، عن ذلك بالقول: "الإدارة الجديدة في سوريا ستعمل على صنع نموذج يناسب وضع وظروف المرأة السورية". وذكرت أنه "لا يوجد لدينا الآن نموذج جاهز للمرأة السورية، إنما ننتظر الجلوس مع الجميع والحوار، والشريعة الإسلامية هي المرتكز الأساسي لأي نموذج"، متسائلة باستنكار: "لماذا نتبنى النموذج العلماني أو المدني؟". وعن التعامل مع المنظمات الحقوقية المعنية بالمرأة، قالت: "أنا لن أفتح المجال لمن يختلف معي في الفكر". وقبل أيام تسبب المتحدث الرسمي باسم الإدارة السياسية التابعة لإدارة العمليات العسكرية في سوريا، عبيدة أرناؤوط، في عاصفة من الجدل، عندما قال إن "كينونة المرأة وطبيعتها البيولوجية والنفسية لا تتناسب مع كل الوظائف كوزارة الدفاع مثلًا"، في إشارة إلى رفضه فكرة تولي النساء مناصب معينة في الحكومة، مما اعتبره العديد من السوريين والسوريات إهانة لدور المرأة في المجتمع وتقليلًا من كفاءتها وقدراتها.
•المخاوف على وضع المرأة يعززها الماضي القريب، حيث تقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان إنه حتى الثامن من أغسطس عام 2024، كانت سجون هيئة تحرير الشام في إدلب تحتجز 45 سيدة، بينما احتجزت باقي الفصائل المعارضة 543 سيدة، مما يعني أن فصائل المعارضة المسلحة التي شاركت تحت راية عملية "ردع العدوان" وضعت في المحمل 600 سيدة قيد الاعتقال التعسفي.
•تصريحات الشرع فيما يخص المرحلة الانتقالية تثير التساؤلات بشأن طبيعة العملية السياسية الجديدة، حيث قال في مقابلة مع قناة العربية إن تنظيم الانتخابات قد يستغرق ما يصل إلى أربع سنوات، وهي مدة تماثل فترة رئاسية كاملة. الأمر الذي يشير إلى عملية انتقالية طويلة تحت إشرافه وخارج إطار الدستور الذي ستستغرق عملية كتابته ثلاث سنوات، وفق تقديراته. وقد تمنح هذه الفترة الكبيرة هيئة تحرير الشام الفرصة الكافية للتمكن من مفاصل الدولة السورية على حساب المكونات السياسية المدنية والاجتماعية الأخرى، وهو ما يدفع للتساؤل عن شكل الدولة خلال الفترة الانتقالية بالنظر إلى الفكر الإسلامي المسلح الذي يحكمها.
•تعد تركيا هي الداعم الرئيسي والأول للحراك المسلح بقيادة هيئة تحرير الشام، الذي أطاح بنظام بشار الأسد في سوريا، ورغم تحسن العلاقات المصرية التركية في الآونة الأخيرة، وقيام أنقرة بتقليص المساحة التي منحتها لنشطاء الإخوان المسلمين للهجوم على مصر، فإن التطورات الجديدة تستدعي المزيد من القلق بشأن استمرار تركيا في دعم الإخوان بطرق غير معلنة. وتجدر الإشارة إلى أن محمود فتحي المدان باغتيال النائب العام المصري جاء إلى دمشق مرافقا لمسؤول تركي. بينما ذكرت تقارير محلية في لبنان أن تركيا حاولت التدخل لدى السلطات اللبنانية لتسليمها عبد الرحمن القرضاوي بعد إيقافه في لبنان عائدا من دمشق، حتى لا يجري تسليمه إلى مصر حيث يواجه تهما قضائية.